منفعة كبار السن.. حقٌّ للمحتاج أم امتيازٌ للمقتدر ماليًا؟!

 

 

 

خالد بن حمد الرواحي

في قلب أيّ مجتمع متماسك، تبقى يدُ الدولة الحانية ممدودةً نحو كبار السن الذين أفنَوا أعمارهم في خدمة الوطن، وإلى الأطفال الذين يُعَدّون بذور مستقبله. وتأتي منظومةُ الحماية الاجتماعية كسياج أمانٍ يحيط بالمواطنين، لا يفرّق بين غنيّ وفقير في بعض المنافع، مكتفيًا بعامل العمر معيارًا للاستحقاق.

ومن أبرز هذه المنافع منفعةُ كبار السن ومنفعةُ الطفولة، اللتان تجسِّدان رسالةً إنسانية تعكس التزامَ الدولة برعاية مواطنيها في المراحل العمرية الأشدّ حاجةً للدعم؛ فالمادة (29) من قانون الحماية الاجتماعية تمنح كبار السن مبلغ 115 ريالًا عمانيًا شهريًا، فيما تمنح المادة (37) كلَّ طفلٍ دون الثامنة عشرة مبلغ 10 ريالات عمانية شهريًا، شريطةَ أن يكون المستفيدُ عُمانيًّا ومقيمًا في البلاد.

وحتى يوليو 2025، تجاوز عددُ المستفيدين 1.53 مليون مواطن؛ بينهم أكثر من 173 ألفًا من كبار السن، ونحو 1.24 مليون طفل. ويُقدَّر الإنفاقُ السنوي على منفعة كبار السن وحدها بأكثر من 238 مليون ريالٍ عُماني، تُموَّل أساسًا من الميزانية العامة للدولة.

لكن يطلُّ تساؤلٌ مشروعٌ: هل يكفي العمرُ وحده معيارًا للدعم، أم إنّ المعيار الحقيقي ينبغي أن يقيس الحاجةَ والدخل؟ تخيّلوا المشهد: ربُّ أسرةٍ ميسورُ الحال، يتجاوز دخله 42 ألف ريال عماني سنويًا ويخضع لضريبة الدخل، يتلقّى منفعةَ كبار السن وأطفالُه منفعةَ الطفولة. وعلى الطرف الآخر، أرملةٌ في قريةٍ بعيدة تنتظر المبلغَ لتسدّد فاتورةَ الكهرباء وتُطعم أبناءَها. كلاهما تحت مظلة القانون، غيرَ أنّ أحدهما يحتاج المبلغَ ليعيش، والآخر قد لا يشعر حتى بوجوده.

ومع إقرار ضريبة الدخل على أصحاب الدخول المرتفعة، يظهر تناقضٌ بين فلسفة الضريبة، التي تقوم على مساهمة القادرين، وفلسفةِ الدعم، التي يُفترض أن تُوجَّه أوّلًا للمحتاجين؛ فالمادتان (25) و(26) من القانون تؤكدان أنّ تمويل هذه المنافع يعتمد أساسًا على الميزانية العامة للدولة، ما يعني أنّ كلَّ ريالٍ يذهب لغير الفئة المستهدفة ينتقص من حقِّ مَن ينتظر دعمًا حقيقيًا.

والتجاربُ الدولية بدورها واضحة؛ ففي كثيرٍ من الدول تُربَط مساعداتُ كبار السنّ بمستوى الدخل لضمان وصولها إلى مَن هم أشدُّ حاجة، بينما يُترَك دعمُ الأطفال بلا قيدٍ أو شرط، استنادًا إلى قناعةٍ بأنّ كلَّ طفلٍ يستحق أن يشعر بوجود الدولة إلى جانبه منذ خطواته الأولى.

من هنا، تبرز الحاجةُ إلى مراجعة معايير الاستحقاق، لا لتقليص الدعم؛ بل لضمان وصوله إلى الفئات الأضعف. ويمكن البدء بوقف صرف منفعة كبار السنّ عن الفئات التي ستخضع لضريبة الدخل المُقرَّر تطبيقُها عام 2028، مع الإبقاء على منفعة الطفولة لأبنائهم؛ لتظلَّ حقوقُ الطفل في الرعاية والحماية ثابتةً بغضّ النظر عن قدرة والديه المادية.

إنّ إعادة توجيه الوفوراتِ الناتجة عن ترشيد المنافع قد يفتح البابَ أمام منافع طال انتظارُها، مثل دعم الباحثين عن عمل الذي يترقّبه آلافُ الشباب، ومنفعةِ رَبّات المنازل التي لم تُفعَّل بعد؛ بما يعزّز شموليةَ الحماية الاجتماعية ويوصل الدعمَ إلى بيوتٍ ما زالت تنتظر الأمانَ الاقتصادي.

إنَّ القراراتُ المبنية على العدالة لا تمنح الدعمَ فحسب؛ بل تبني الثقةَ أيضًا. وعندما يرى المواطنُ أنّ مواردَه تُدار بحكمة، وأنّ التشريعاتِ تتكامل لتمنع التناقض بين الضريبة والدعم، يزداد يقينُه بأنّ العقدَ الاجتماعي بينه وبين الدولة قائمٌ على الإنصاف وحماية الحقوق. وعندها، تغدو منظومةُ الحماية الاجتماعية أكثرَ من مجرد برنامجٍ مالي؛ تتحوّل إلى جسرِ ثقةٍ بين الدولة وأبنائها، ووعدٍ صادقٍ بأنّ الكرامة ليست منحةً؛ بل حقٌّ تكفله العدالةُ وتؤكده السياساتُ الرشيدة.

تعليق عبر الفيس بوك

الأكثر قراءة